الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

أحب ولا أحب

أَنَا لَا أُحِبُّ صَوْتَ الطَّعَامِ فِي فَمِي
فَهُوَ يُذَكِّرُنِي بِصَوْتِ الوَقْت
عِنْدَمَا يَأْكُلُنِي
و يَمْضُغُنِي عَلَى مَهْل
و يُنَظِّفُ أَسْنَانَهُ مِنْ بَقَايَاي
غَيْرَ عَابِئٍ بِرَائِحَةِ العَفَنِ المُنْبَعِثَةِ مِنْ قَلْبِي
و لَا بِالطَّعْمِ المُرِّ المُلْتَصِقِ بِجِلْدِي
ثُمَّ يَشْرَبُ مِنْ كَأْسِ خَيْبَاتِي و يَتَجَشَّأ
و يُذَكِّرُنِي بِأَنَّ المَوْتَ يَأْكُلُ نَفْسَهُ
مِنْ دُوْنِ أَيِّ صَوْتٍ
و يَجْعَلُنِي أَتَوَهَّمُ أَنَّ فَمِي
مُمْتَلِئٌ بِدَمِي ...
لَا أُحِبُّ صَوْتَ السُّكُوْنِ فِي اللَيْلِ
فَهُوَ يُذَكِّرُنِي بِصَوْتِ الصَّفِيْرِ
الَّذِي أَسْمَعُهُ بِدَاخِلِي
عِنْدَمَا تُؤْذِيْنِي أُمِّي بِكَلِمَاتِهَا
و يُذَكِّرُنِي بِأَنِّي أُحِبُّ صَوْتَ الصَّفَعَاتِ
مِنْ يَدِيْ أَوْ عَلَى وَجْهِي ...
لَا أُحِبُّ صَوْتَ النَّفَسِ العَالِ المُتَلَاحِق
يُذَكِّرُنِي بِنَظْرَةِ الحَسْرَة
فِيْ عُيُونِ مُصَارِعِ الثِّيْرَانِ المَهْزُوم
و الَّتِي تُشْبِهُ نَظْرَتِي إِلَى أُخْتِي الصَّغِيْرَة
يُذَكِّرُنِي بِرَائِحَةِ الأُكْسُجِيْنِ فِيْ أَنْفِي
عِنْدَمَا يُحَاوِلُوْنَ إِفَاقَتِي بَعْدَ إِغْمَاءَةٍ قَصِيْرَة ...
لَا أُحِبُّ صَوْتَ المَطَرِ
يُذَكِّرُنِي دَوْمًا بِأَحْذِيَتِي البَالِيَة
و رِدَائِي المَدْرَسِيِّ الخَفِيْفِ
عِنْدَمَا كُنْتُ فِي العَاشِرَة
يُذَكِّرُنِي بِخَوْفِي مِنْ لَمَسَاتِ أَيْدِيْ أَصْدِقَائِي القُدَامَى
و خَوْفِي مِن عَلَاقَاتِي الجَدِيْدَةِ سَرِيْعَةِ الانْتِهَاء ...
لَا أُحِبُّ صَوْتَ أَبِي الحَزِيْن
يُذَكِّرُنِي بِالشَّعْرَةِ البَيْضَاءِ فِي رَأْسِي
و يَجْعَلُنِي أَبْتَسِمُ عِنْدَمَا أَتَخَيَّلُ يَوْمَ مَوْتِه ...
لَا أُحِبُّ صَوْتِي أَنَا
يُذَكِّرُنِي بِالصَّوْتِ المُتَكَرِّرِ الأَخِيْرِ
عِنْدَ حُدُوْثِ الصَّدَى
و يَجْعَلُنِي أَغْضَبُ مِنْه
لأَنَّهُ يُخْطِئُ فِي المَوَاعِيْدِ
و يُخْطِئُ فِي إِيْصَالِ الرَّسَائِل ... 
و لَكِنِّي أَلْتَمِسُ لَهُ العُذْرَ أَحْيَانًا !!!
فَأُحِبُّ صَوْتَ الطَّعَامِ فِي فَمِي
لِأَنَّهُ يُذَكِّرُنِي
بِأَنِّي نَجَوْتُ مِنَ المَوْتِ جُوْعًا
و أَنَّهُ لَمْ يَفُتْ بَعْدُ
أَوَانُ ازْدِرَادِ الَّذِي احْتَلَّ جَوْفِي
و أَنِّي أَبَيْتُ خُضُوْعًا ...
و أُحِبُّ صَوْتَ السُّكُوْنِ فِي اللَيْلِ
يُذَكِّرُنِي بِانْقِضَاءِ نَهَارٍ إِضَافِيٍّ
و أَنْ الشَّقَاءَ سَيَفْقِدُ يَوْمًا مِنْ مُهْلَتِه
يُذَكِّرُنِي بِبِدَايَةِ كُلِّ اقْتِرَاب
و عَوْدَةِ مَنْفِيِّ تِلْكَ البِلَادِ الَّتِي فِي خَيَالِي
مِنَ الاغْتِرَاب ...
و أُحِبُّ صَوْتَ النَّفَسِ العَالِ المُتَلَاحِق
يُذَكِّرُنِي بِالرَّكْضِ الحَثِيْثِ
خَلْفَ الشَّيْطَان
أَوْ هَرَبًا مِنْه!
يُذَكِّرُنِي بِاللَحَظَاتِ الَّتِي تَسْبِقُ النَّشْوَةَ
و تَلِي الانْتِصَار ...
و أُحِبُّ صَوْتَ المَطَر
يُذَكِّرُنِي بِأَنَّ السَّحَابَ لَا يُفَرِّقُ أَبَدًا
بَيْنَ مَنْ خَافَ بَطْشَ السَّمَاء
و مَنْ لَوَّثَتْهُ الدِّمَاء
و أَنَّ الّذِي يَهْبِطُ الآنَ فِي البَرْدِ
كَانَ فِي القَيْظِ بِالأَمْسِ يَصْعَد ...
و أُحِبُّ صَوْتَ أَبِيْ الحَزِيْن
يُذَكِّرُنِي أَنَّهُ فَشِلَ أَخِيْرًا فِي الوُصُوْلِ
إِلَى مَا سَأَفْشَلُ أَنَا أَيْضًا
فِيْ الوُصُوْلِ إِلَيْهِ .. لَاحِقًا!
يُشْعِرُنِي هَذَا بِتَوَلِّي زِمَامِ الأَسْبَقِيَّة ...
و أُحِبُّ صَوْتِي أَنَا
يُذَكِّرُنِي بِالصَّوْتِ الأَوَّل
خَالِقُ الصَّدَى عَلَى شَاكِلَتِه
مَا تُرَدِّدُهُ الجِبَالُ
بِلَا حَوْلٍ مِنْهَا و لَا قَوْل!!

with: Mayada Elshahawy

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق